قراءة في دفتر الدم!
تبرز الأحداث التي عصفت بالشمال، منذ صباح الأحد، حلقة في سلسلة نتائج مريرة، أفرزتها طبيعة هذا الكيان الهشّة. ولنا أن نعود إلى موجات التفجير والاغتيال والصراع الأهلي، التي لم تترك عقداً من العقود الأخيرة، منذ إعلان الولادة القيصرية لدولة لبنان! إن ضعف هذا الكيان، بنسيجه الهشّ، وبنيته المضعضَعة، هو من إرث «الانتداب»، الذي شاء نصْب فخاخ جاهزة، وقنابل موقوتة، فرسم لأجيال تليها أجيال، خرائط التفجير، اعتماداً على ما أرساه من تركيبة طائفية سقيمة.
وبدل أن تعي الشرائح السياسية، التي تتناوب دوري المعارضة والموالاة، هذه الحقيقة المرّة، وتسعى إلى البحث عن حلّ جذريّ لها، يتشاغل كثير منها بتبادل التهم، عقب كلّ هزّة، أو انتكاسة، ويُسارع كلّ فريق إلى رمي القنبلة، وهي على وشك الانفجار، إلى يد الفريق الآخر، وكأنها إذا انفجرت في غير يده، لا تطاله بشظاياها المدمّرة!
أليس غريباً أن نرى تنامي عديد القوى الأمنية، من كافّة «الأجنحة»، في غضون الأشهر الماضية، وأن يعلن القيّمون عليها عن قدرتها على التصدّي لأيّ اعتداء «خارجي»، وكشف أيّ محاولة للعبث بالأمن، ثمّ نجد مجموعة مسلّحة تعلم أجهزة الدولة، منذ أشهر، مكان انطلاقها، وقيادتها، وخلفياتها الفكرية والسياسية، ومصادر مدّها بالسّلاح، وهي محاصرة، منذ أشهر، ومع ذلك تقف الأجهزة، سياسية وأمنية، مبغوتة ومرتبكة، في معالجة ما يحدث منذ الأحد، في مخيم نهر البارد، وبعض أحياء طرابلس، وصولاً إلى الأشرفية، إن كان للتفجير فيها صلة بهذه الأحداث؟؟!!
لعل السبب المباشر في هذا الارتباك، أن القرار السياسي مشلول، بفعل التجاذبات الحاصلة بين مؤسسات الدولة، والحسابات السياسية لردّات فعل «الآخر»، التي تجعل كلّ طرف، قبل الإقدام على أيّ خطوة مصيرية في حقّ البلاد، ينظر إلى ما يستثمره الطرف المقابل، فيحجم أو يُقْدِم! ما يعني أنّ الكلّ مسؤول عن هذا الشلل، الذي خرج عن إطاريه السياسي والاقتصادي، ليدخل منطقة المحظور، بشكل فاقع: الشلل الأمني!
ولئن كان «الخارج» مسؤولاً عن هذا العبث الأمني، بغضّ النظر عن ماهية هذا «الخارج»، فإنّ الاكتفاء، خلال الأشهر الماضية، بالعزف على هذا الوتر، والقصور في إيجاد خطوات عملية لمعالجة الأمر، أدّيا إلى تفاقم الوضع، وبلوغه حدّ الصِّدام العسكري، الذي يُنذر بسقوط أبرياء، في المخيّم، مهما توخّى مطلقو النيران الدقّة، لأنّ المساكن متلاصقة إلى أبعد مدى.
إنّ أسوأ ما يمكن أن تصل إليه السياسة من تردٍّ أن تستهتر بالدماء، وتقصّر في واجب حقنها، ولقد كان المراقبون ينبّهون مراراً من تعقيدات الوضع في المخيّمات، وحالات الاختناق فيها، على أكثر من صعيد، فلماذا أُهمل هذا الملفّ، وتباطأ القيّمون عليه، في علاجه!؟
إنّ الأمر يقتضي معالجة سريعة، لهذا الملفّ، في تأنٍّ وعدلٍ، كما يقتضي حلّ قضايا البلد كلّها، في إطار جذري، لا يُشتَرِط فيه أن يحقّق مصالح اللاعبين الصغار، أو من يحرّكهم بخيوط... العنكبوت